السلطة التحتية :
قد بات لزاما على علماء الإجتماع في عصر ما بعد الحداثة إعادة صياغة النظريات الإجتماعية , ذلك أن النظريات الكلاسيكية والحديثة لم تعد لها أهمية أو فائدة , فأهميتها توقفت في وقتها , أما في العصر الحالي فلابد من إعادة صياغة نظريات جديدة تتلاءم والمجتمع الحديث , ومن بين النظريات التي يجب إعادة صياغتها << نظرية السلطة الفوقية >> ذلك أن الثورات التي تشهدها المجتمعات الحديثة أثبتت عكس ذلك , حيث لم تعد السلطة كما كانت عليه في السابق رأسية تنازلية , أي من أعلى السلم الهرمي ( الرئيس أو القائد ) إلى أسفل السلم الهرمي ( الأتباع أو المرؤوسين ) , من خلال إصدار أوامر وقرارات رئاسية من طرف الرئيس وما على الأتباع إلا تنفيذها والإنصياع لأوامر الرئيس , وإنما صارت السلطة تنبع من الأتباع نحو الرئيس , ذلك أن المبتغى هو ما إبتغاه الأتباع , وما دام الرئيس أو القائد عين من طرف الأتباع , فهو بذلك يسعى لخدمتهم وتلبية إحتياجاتهم وتنظيم شؤونهم وإدارتهم , وبالرغم من قدرته على إصدار قرارات تنظيمية وتسييرية إلا أنها تبقى في خدمة مصالح المرؤوسين , ذلك أنه لا يمكن للمرؤوسين رفض تلك القرارات وعدم تطبيقها إذا كانت لا تحقق منافعهم وأهدافهم , حتى أنهم يمكنهم أن يخلعوا الرئيس أو القائد في حالة عدم تحقيق طموحاتهم وأهدافهم , عكس ما سبق أي في السلطة الفوقية حيث لا يسمح برفض أو عدم الإنصياع لأوامر الرئيس أو خلعه من منصبه , بل الرئيس هو من يقبل أو يرفض فله سلطة صنع وإتخاذ القرارات , هذا الأمر الذي لم يعد مرغوبا فيه لدى أفراد مجتمعات ما بعد الحداثة ( القرن 21 م ) أين نفت المفاهيم والمتغيرات التي كانت سائدة طيلة عهود مضت , فبعد أن كان هيكل السلطة مثلثا هرميا رأسه للأعلى وهيكله للأسفل إنقلب هذا المثلث ليصير الهيكل للأعلى والرأس للأسفل بإنقلاب الوضع الإجتماعي الذي لم يعد يلائم أفراد المجتمع الحديث .
بقلم عبان عبد القادر